مقطع من رواية مخطوط

 





-8-


في ساحة الدوار تجمع الرجال جنب أحد البيوت المقفلة، نسوة يدخلن ويخرجن من بيت الميت سافرات أو مغطيات الوجوه. يتحلق البعض هنا وهناك؛ سيارة المرسيديس البيضاء والسيكانز الزرقاء قرب الحانوت جنب المسجد، من داخل بيت العزاء يسمع صوت الفقيه يقرأ القرآن . 

قمر يظهر تحت صومعة المسجد، بضعة شبان يتحركون في كل مكان يحرقون الوقت بالدخان وسقطات الكيف من الأيدي دليل ميلاد جديد، وقت ميت، الكل يلوك موضوعا هو الطالب (فقيه المسجد)...

من بعيد تسمع أصوات الأطفال ..

( الطالب يايو عايشه وحليمه

طالعين فوق الليمه

امولات الخيمة اعطيني ابيضه

باش نزوق لوحتي 

لوحتي عند الطالب الطالب عند اصحابو 

ف الجنة اتصابو ..)

يصرخ( ولد الحركاتيه) وهو يجر قاطرة مكونة من صغار الدوار يرددون ما يقول، ينهرهم (باخا) بطريقته المعتادة. (عبدو) الفتى النحيل يفكر في حروب لا تعرقل الجو العام رجال آخرون يتخذون الأرض ملاذا بما فيهم (ولد المهدوم والحبجروك، ولد الدجايجي، وسي امبارك وسي مصطفى  وآخرون) والحاج اسماعين يصرخ في وجه ابن أخته يوصيه.. 

- أناري أولد أختي لا تسمع ليهم اشحال واعرين هاذ الناس..؟

خليط من النمنمات والإيقاع يحتدم كلما دس أحدهم جملة أو قال رأيا، ( بااسعيد ) يتوسد حجرا جنب حائط الحانوت (ولد الخمريه) ينشر ذراعيه ورجليه المنتفختين يفتح للحديث شهية الذي لا ينتهي..

تدخل نسوة دار الميت، الزنقة الممتدة من الباب المشرع إلى بوابة المنزل مظلمة وكل زناقي الدوار كذلك، الأعمدة شاهدة على تعطل المصابيح منذ انتهاء الانتخابات. 

مرشح الدوار قابع في حانوته والمشاكل تزداد تفاقما.. يمد (النعامه) رجله التي لا تثنى أمام،  يجر نصف جلبابه وهو يصرخ بصوت جوهري وبلكنته البدوية الخشنة..

- مالكم معا الطالب أولاد الدوار.. اتدورو حتى اتعياو اومتلقاوش بحالو، كاينش شي دوار كايبدل الطالب خمس مرات ف العام، العيب فيكم ما شي ف الطالب.؟ 

يسكت برهة ..

- انتوما مخاليونو جيعان..

يطرح سؤالا أشد مضاضة عليهم، ثم يوجه الخطاب للكل..

- مالكم اتصليوْ وراه..؟

 نفاق هاذا.. واش من نفاق ..؟ 

ما باغينوش، ما تصليوش معاه  أو لا وراه.. ياك أأأولا لا..؟؟

المكان خلية من الحديث الغير المنتهي، يبتعد البعض ليتشكل تجمع آخر وتبدأ النمنمات يتحرك (المسعود) ويصرخ (ع العظيم) بجاكيتته الزرقاء الطويلة ولحيته الكثة ..

- خصنا انشعرو ب الانسانيه، لازم انكونو كلمه وحده، ارجال ف هذ الدوار .

 مشى زمان واجا زمان، الطالب ما عندا ما انديرو بيه ما صالحش لينا، حايدو عليكم الظلمه...

يحملق فيه (عزيز سالم) المريض ثم يستأنف كلامه محوقلا ،،

- انكونو رجال... موجها الخطاب إلى(خو اسعيد وبلطبيب)، أرجال ابلطبيب خاصنا نحلو موشكيل الطالب هذا ماشي معقول ؟

في الجهة الأخرى يوجه (خو اسعيد) الخطاب إلى (عبد العظيم)..

- واسيير أدخل سوق راسك، الجامع، را غادي يكرجها فيك . أقمقوم الزفت الوجه الويل، أنت احشم  شي شويه، لحية االشيطا.. الوجه الكحل..؟!

تمر بعض النسوة، يسكتون فجأة وتعود الجماعة للنقاش..

يمر(الشراف) واضعا عصاه الحديدية على كتفيه يترنم بأغنية قديمة مصاحبة بصفير لا يعيره أحد الاهتمام؛ يمر كقطار منتصف الليل إلى محطته الوحيدة، ترمقه (طامو) وتتابعه (غنو ولاله فاطنه) جنب الحائط ولسانهن لا يكف عن :

 - الله يستر.. ازمان هذا آخر.. ولى فيه الدري ايهدر قبل الفطام..

تقول أخرى : 

- ياخ أعلى راجل، زايد عليهم ب النظاظر كحلين ف الليل ...

في الطرف الآخر يرد الشراف دون أن يلتفت..

- قواوْ العيالات، بالسيف ما تبقا  قيمه  للرجاله.

أسفل الطريق قريبا من المسجد يصرخ الشراف موجها الخطاب الى المجتمعين في حلقيات متفرقة..

- بالسيف م تقولو ديما : 

ولد فلانه ولد رقيه ولد مريم ولد امباركه ما بقينا نقولو ولد علي، ولد ابراهيم ولا ولد احمد ولا ولد اسماعين..

يصرخ أحد الشبان مقلدا صوتا ما ..

- واع .. واع ... كاااااااع ..

ليزيد من حنق الشراف 

- هااااااذو هوووووما أولاد العياااااالات..


في الطرف الآخر يقف (الغودي) شامخا صامتا يكتنف وجهه عبوس دائم كشجرة البزارا الشانخة، أمام بوابة حانوته الصغير الذي يكتريه من صهره، بالنهار يشتغل بناء وفي المساء يملأ الوقت فيه بالقرب منه (ولد زيان) و(ولد امي عايشه) في فمه سيجارة كازا تحرق شفتيه دون أن ينتبه إليها، لا يضحك الا نادرا. تظهر طفلة صغيرة تقف إلى جانبه ينهرها وتقترب وتحاورها (أمي خديجه) الجاثمة بإزارها الأبيض المخطط بالأزرق أمام بوابة منزلها القصديري المشرع نصفه دائما، لا تحرك ساكنا تراقب فقط ما يجري، بنت (ولد عيسى) وهي تنهر زوجها..

 - زيد الرااااجل، جبت معاك السكر، سير بعدا اشريه أولى تعجبني في معيار العيالات...

وتلتفت إلى الأخريات حانقة.. 

- وانتوما ما عندكم ما ايدار مقابلين غير الرجاله..

يدخلان في جدال وهما يدلفان بوابة منزلهما القصديري المجاور لصبار جنان (ولد الحوسين)..



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزلزال، كتابة الفاجعة. ق ق ج

كرسيتينا، قصة قصيرة