هبيني وردا النسيان ديوان مليئ بالازهار للشاعر الطيب هلو




 قراءة في

(هبيني وردا للنسيان) للشاعر الطيب هلو 

ديوان مليء بالأزهار التي تكبر ولا تلين.

متابعة : عزالدين الماعزي 


عن مطابع الأنوار المغاربية بوجدة، صدر للشاعر المغربي الطيب هلو مجموعة شعرية بالعنوان أعلاه بإهداء خاص وب15 قصيدة في 86 ص وبلوحة للغلاف للفنان لطفي اليعقوبي، نصوص   هي فواكه مختلفة الأجناس والمذاق تفتح شهية القارئ المتلقي 

يقول في فاتحة الديوان ص 5

يا فاكهة البوح تجلي.. وتدلي.. كعناقيد الألحان 

وبالفعل إنها عناقيد العنب تتدلى شهية، نيرة، مورقة،

الحبّ وراءه وأمامه سارت قافلة الأحزان والقصيدة خريطة للبوح من أول الخطو حتى النهاية لها متسع لممارسة الجنون يقول :

لترف من كأس التوحد حرقها 

كي أرتديها جبة واشم في ليل العبارة عرفها..ص8

ولأنها فراشة تأتيه باسمة وفي فوضى عارمة، حيث انزياح الورود عن الحديقة ببلاغة وغواية، تلوح بالأسفار فكلما فكّر في تفسير ما ترتحب المدارك وتتيه في دربات الحقيقة ويختفي المعنى، ولأنه مسكون بالطموح وبحلم الحب بعد ترتيب الحكاية في انتشاء عابر تتسلل فراشة تحلت بخمر المشتهى.

في قصيدة توقيت الحب ص26 وبالضبط في المقطع 3 يحاول الإجابة :

لو كنت أدري أن قلبك ما يزال يحبني 

ويذوب في سهو القصيد فطمت طفل قريحتي ورحلت في سهو المباهج.. لكن الظروف هي الظروف..ص19

وكعادة الملسوعين بنار الكلمة ولعنتها يقول :

إني رهنت الضوء في حدقاته

وأسرت باز القلب في شرك المحال  ص24

يراهن كفراشة الضوء على الاحتراق في العشق، ضاحكا مثل الندى حين يتدلى من عناقيد الدوالي وتتيه في قمم القصائد.

وفي سرير القصيدة أبصر وتلقى السر في ظرف الإشارة رغم المساحيق في ثقوب قصيدة النثر: 

الليل يصنع فجره

ودم يشي بعروقه 

والبوح يقلقه الوله ص28

لينظر بعين تستريح جفونها في أمر تفشى وانغلاق البلاغة 

الصمت سيدنا وسيدنا الذهول :

ما عاد لي شيء يقال 

ولست أدري ما أقول. ص30

في قصيدة صهيل الروح ص32، حيث صداقة الورد تمتد في سهو الأحلام، يتساءل : هل يرهقك الآن انشغالي ؟

يا صديق الورد.. في نهر الغسق 

كل لغز ليس يكفيه الأرق ؟

..

فتوضأ من دمي 

يا صاحبي وارحل كأطياف المحال. ص39

ولأن حظه باسم، فله حظوظ أخرى معتمات كالليالي، يطلب الشاعر العفوَ من صديق الورد حين يأبى الامتثال. ومثل كمانٍ مهجور ينام على كتفيه سعيدا ليفضح نوافذ العشق ويناجيه مثل عصفور يأبى الألحان يطلب.. 

لو نبّهني الحب للصورة وللكتابة ولتقويم العشق، وقطار العمر وللرحيل والألوان ولتصفح البريد 

(وجلست على حافة شرياني لأراك )

ولأني أراه ويرى أنواره الشاحبة في سجن الصبوة، نقوش بالحيرة والخدوش يُردد أغنية الحسرة واليتم يتساءل:

من أين يكون البدء

وأوجاع الآتي مؤلمة. ص 54و53

وكيف يكون الختم وأوصال الساعة تنكر خاصرة البحر وتغتال مراسيم الوسن

وأمد فمي للقلب أعزيه.. ص 56.

في قصيدة قريبا.. من سماء العين، يقول الشاعر إن تذويبه في كؤوس العشق كي يصير الجمر طقسا، ويطلب أن تتركه يهذي في مدار السهو وتدعوه للشرود وليصحو والإقامة في الظلام: 

يا صديقة.. امنحي جرحي دقيقة

واذكري إطلالي وامنحيني وطنا من قصاصات الخيام ص60

يستعمل هذه المرة أداة استفهام 

ما لهذا العشق؟ 

قولي

كلما كسرته صار قويا. ص61

ولأنه يشعل مواقد الأفراح والأشواق من عينيه العاشقتين 

كي أقطف من دالية الشعر ترانيمي 

وأبوح بأشواق الكأس إلى العنب ص63

اقتربي 

كي أسرق

من وتر القيثار

لحون الشهقة 

والكلمات المنسوجة 

من ألق الرغبة والأرب ص64

في قصيدة (كذلك) وهي من أجمل نصوص الديوان، التي أثارت اهتمامي لجمالها واختزالها الشديد، فيرسم الشاعر الصورة والدهشة القوية بأصابع مطرزة بالفستق كذلك شهوة الجسد والإحساس تتواصل فيها الذات بالتوتر، بالجنون، بالعذر، بالارتعاشة، بالعشق وهو أعلى جنون الحب والبوح..

أنقذيني من جنوني

وانفعالي 

أخرجيني من سراديب انفعالك

واجبري قلبي 

فإني صرت مكسورا 

كأقواس هلالك ص66 

أما نص (صهيل الخيل) فهي مرثية للشاعر المرحوم نزار قباني حيث ثوب العشق بجرح الناي يطرزه الشاعر شعرا فيتبادل معه الدور والمعنى..

أتساءل، وأنا أنهي قراءة الديوان بشغف:

هل ما يزال لذيذا في فمي الغزل..؟

وهل بلاغة قلبي فيك تشتعل؟

الحبّ لديه سلالم موسيقية نرتقي بها إلى الارتعاش..

ولأنه يعدد أخطاءه بالتملّي في السهو، والتسلي بالحزن وقراءة الكف. لأن الحب هو سؤال ينبت كنباتات الأدغال في القلب، ويكبر عنوانا : هبيني وردا للنسيان كآخر غزل للحبيبة..

ديوانه مليء بالأزهار التي تكبر ولا تلين ولا تهادن.

أخيرا، للشاعر الطيب (قمر العتاب) عن منشورات البوكيلي 1996 وبعده ديوان (لسيدة الشبق أعترف) عن دار التنوخي 2008

و(بلاغة الإيقاع في قصيدة النثر)2010

وله إصدارات مشتركة منها منارات مختارات في القصة المغربية وقراءة نقدية في القصة التسعينية بالمغرب ومدارج الهوى والرواية المغربية آفاق معاصرة وتحولات القصة الحديثة بالمغرب..

شاعر الكلمة النقية والآهة المترنمة، شاعر الدهشة بامتياز، قصيدته تجترح وتخفي الأسرار في جرار القلب، لأن عناقيدها متدلية في ارتعاشة الضياء. إنه صوت الكمنجات تحرر اللحن اللهب، تناجي القوس مثل عطر ضائع

أنقذيني من جنوني وانفعالي 

أخرجيني من سراديب انفعالك 

ما جدوى قلبي..

إني صرت مكسورا

كأقواس هلالك ص 66

ولأن شعره وجع مكلوم، عن عالم نتن، خشن مزين، مات سر مبدعه فيتساءل تساؤل الفلاسفة الشعراء 

هل ما يزال لذيذا في فمي الغزل 

وهل بلاغة قلبي فيك تشتعل ؟

لذلك يهفو إلى غزالة القلب في اندهاش  

يهفو الفؤاد إلى أنثى مشاكسة، 

تقتات من شغبي والليل ينسدل. ص78

يطالبها بالثورة على غرار ثورة الأبطال 

ثوري على غزلي ثم اكتبي جسدي 

شعرا جميلا..

فأنت الشعر والزجل

ولأن آخر نص هو آخر الغزل، سوف يعدد أخطاءه ويوبخها فتملي بالسهو..

على جسدي 

وتسلي بالحزن النازف فوق خطوط يدي 

لكن.. حين أثوب من الشعر 

سأشنق فوق بريق العينين جميع الأقوال. ص80



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزلزال، كتابة الفاجعة. ق ق ج

كرسيتينا، قصة قصيرة