البعد الدلالي في قصيدة سناء رضوان : خيالي خلاني

البعد الدلالي في قصيدة سناء رضوان: خيالي خلاني :

قراءة في قصيدة زجلية
عزالدين لماعزي
المقطع ١،
 بعد ما كان خيالي تابعني
وليت أنا تابعاه
المقطع ٢،
يمكن ما بقى يعرفني
يمكن أنا متلفاه
المقطع ٣،
واش نسبقو ول يسبقني
تلف علي ما بقيت عارفاه
المقطع  ٤،
ولى سراب وخدعني
هداك خيالي وأنا ناسياه .
سناء رضوان

مدخل في الاختيار والتأويل :
باختيارها لقصيدة الزجل تكون المبدعة الزجالة "سناء رضوان" قد اقتفت آثار من عبّدوا الطريق أحمد لمسيح وخليل القضيوي الادريسي والباهلي وغيرهم، ومن مروا بالبلدة ومن تربتها، هو عشقٌ مشترك وندف نار يجمعها الامل والألم وتخلدها المتعة وتبديد الظلمة .
بين أيدينا قصيدة زجلية تمتع، تمتح من نهر منسكب سريع الجريان، ومن دفق احساس مرهف. أتساءل هل هناك عنف وراء القصيدة المختارة أو وراء هذه البساطة الظاهرة أو هو بحث عن الطمأنينة .
إنها تمنح نظرة عميقة لنصها الصغير/ الكبير في عمقه، بأحاسيسه، بقيمته، حيث تتجلى أبجديات مباهج الحياة وراء كل كلمة تتبدد أشكال وأطياف وتعدد ألوان ومكابدات وتنير كتابة قصيدة جريئة منفلتة من أسرار الحياة .
إنها كتابة تختصر المسافات وترتقي السلالم بتأن وروية، تستمع إلى هدير الموج وشهقة الريح .
شريطٌ مذهب يبحث عن تباريح فُرجة ومتعة انصاعت بزهوٍ إلى كشكول معمار يضيئ سواد الليل بإشراقة روحانية يحملها التوهج المهذب الأزرق وخيول بحوافر الريح تقاوم هيجان البحر.
تكاثفت غيوم البلدة ومعاناة الفلاحين والساكنة، البعض يمرّ مختالا والبعض يعزف ويغني والشاعر لا يملك إلا أن يمدّ يديه للشمس، يداعبُ الكلمات على سلالم صبّار الساقية، ينصهر فيها، يتدحرجُ ككرة الثلج، ولا يستسلم ولا يهادن..
نظفرُ بحكايات وتفاصيل فيما تغمرنا حروقٌ وحروب صغيرة ...

مفتتح الحكي شهية العتبة :
هناك العديد من القراءات التي تفتح شهية النص وتزيده جمالا وإشراقا وكلما اكتمل النص تألق وتأنق كلما ترك أثرا في أذن المتلقي وازدان بهاء. النص في حاجة دائما إلى اكتشاف، إلى يد ماهرة تبرز مفاتنه ومحاسنه وتبدي ما يحمله من معنى ومعاني ظاهرة او متخفية....
وعتبة النص، مفتاحه ودليله وكثيرا ما تشبه عناوين القصائد خصوصا الزجلية بيوت سكان البوادي حيث تظل دائما مشرعة كبوابة الريح تهتز وتتغير وتتعطر، تنفتح للجديد ولا تنغلق أبدا.
اختيارنا لنص الزجالة الواعدة "سناء رضوان" هو اختيار تحكمه اعتبارات جمالية، أولها ذوق ومقياس تأثيره. ليس لأنه أثار الكثير من الردود في وسائل التواصل الاجتماعي بل بما يحمله من شحنات جمالية، ومفردات بسيطة وايقاع موسيقي رنان  وتوتر داخلي .
لذلك اختارت له عنوان: (خيالي خلاني)، أولا، لارتباط الابداع بالخيال والاحاسيس ولإظهار التفاوت الحاصل بين الواقع والمتخيل. المتخيل الذي نفكر فيه يوحي لنا بالجمال والواقع بالحقيقة الصادق والصورة الجميلة في هيكل معماري مفصل ومختزل في ثماني أبيات نسميها مقاطع، ليس فيها خدش أو فحش بل سيولة وسهولة في المعنى والمبنى وما يطلق عليه بالسهل الممتنع ، تبغي فيه المرسلة إيصال رسالة وبث شكوى وحنين واصرار على التمويه بصيغة ايحائية بعدم تحديد المقصود المخاطب، مع الاشارة أن التقطيع المشار إليه هو من عملي، لتسهيل عملية التشريح وتحليل النص وللمساعدة في فك شفرته ويحمل النص مؤشرات دالة سنكتشفها في حينها ..
تقول الزجالة في المقطع الأول/ بعد ما كان خيالي تابعني وليت أنا تابعاه .
بطرح سؤال داخلي، كيف يمكن أن نتبع ال.. خيالي؟ وبالصورة معكوسة إذن، يظهر أنه انفلات وانقلاب أصيبت به الذات/ المرسلة الباتة لخطاب ما، مما يدعو للتساؤل مرة أخرى، عن السبب الذي أدى بالمتابعة، ويظهر شبه الجواب في المقطع الثاني/ يمكن ما بقى يعرفني، يمكن أنا متلفاه
حددته هذه المرة ب/ يمكن/ المعرفة والنسيان مقابل تضادي بينهما، بين التذكر والنسيان بملح ذاتي وتحديد الوجود والانوجاد الذاتي بالتلف والعزلة وعدم الانتباه..
نلمس في المقطع ٣/ واش نسبقو ول يسبقني
تلف علي ما بقيت عارفاه
ما نسميه تساؤلا انكاريا، كلعبة تعيدها إلى طفولتها والعملية مقصودة هنا باستحضار اللعبة السبق والسباق والتلف مرة ثانية ولا تشبه الاولى في الانكار والتجاهل، هل هو نفسه، هل هو ايحاء شعري على تجويع الصورة وعدم طغيانها على الظاهر بحثا عن الجمال. والجمال كما نعرف، يتواجد في التوتر والتكرار المقصود نسبقو ويسبقني تلف علي م بقيت عارفاه، هو مؤشر دالٌ على مشاعر متخفية قد تكون الأمل والشوق والانتظار واليأس مقابل الهجر والظلم والنسيان وستحمل هذه الكلمة دلالتها في المقطع القادم،
هو جمال روحي محض، واختزال للكلمة/ المفردة والبوح هنا يشدّك مقتصدا، مهددا القارئ المتأمل للبعد الفلسفي في النفي ونفي النفي وحضور المرجع الثقافي والتراثي..
في المقطع الأخير/ ولى سراب وخدعني
هداك خيالي وأنا ناسياه .
تحدّد الجواب بأنه سراب خادع وأنها تعرفه ولا تنكره هذه المرة بأنه هو، رغم الانخداع الظاهر دليل يأس وانتظار وحرمان..، ولا يمكن أن لا تتذكره رغم تغيره فهي الوحيدة التي تملك الحقيقة، حقيقة الظل / الخيال/ الكتابة . ونحن كقراء، مطالبين بكشف بعض الحقيقة وراء تجليات وتمظهرات النص المتخفية.
"الشعر كشف الوجود" بتعبير هيدجر، يبدو النص متحللا من سمنته وترهله، هو ثقل يتوجس منه القارئ ويحذره جدا بعيدا عن البلاغة تبدو الكتابة لديها، انسلال ومراوغة لأفق غامض غير واضح، مكبح ببعد جمالي سريع الوصول إلى دفقٍ شعري مرسل، كتحليق الملائكة وفراشات النور حول حقيقة النار .
هناك تحليقٌ وجذب واختصار للجملة، اقتصادٌ واختزال وبتر للشعري بعيدا عن التعسف والانشغال بالتدفق ماء الحياة، وتخوم الايقاع والومض المختزل وربطه بالمقام فيما يخشاه القلب والخيال من تداعيات وغبطة حالمة، يختزل فيها الجذب بالشدّ. بالإيقاع بالسرعة بالايحاء بالمبتغى/ الباب، الذي يؤدي تدريجيا إلى الروح المرحة، في أفق متعالٍ ودرجة امتلاء الصدر بما يكابد الجسدُ من محنٍ وعنف ممارس بأشكال متعددة : لفظي وجسدي وخوف ورهبة في التداخل وارسال مؤشرات/ تموجات حارّة دالة ورغبات في حصول انسجام وتقابل بغية التشكل والانعتاق والانفجار  ..
واقبال على الحياة، وعفّة خلاقة تنذغم فيها الكتابة كتميمة والتماعة تضمر أكثر ما تظهر، مهذبة أنيقة كعروس. وقع الجذب والتفاعل والبحث عن التوازن، وهي تنظر وتكشف على عنصر وعناصر مغيبة، يدفعنا بالأحرى إلى شرك التفسير والتأويل والشغف بإنجاز تمارين تعلم الغناء حيث البوح ونفحات المشاعر الرقيقة  وهذا هو قدر الفن، ابداع ومكابدة وغناء يملأ روح المتلقي بهجة وفرحا .
الإحساس بالانتشاء بالاطمئنان وراء تلك الابيات المرصوصة المستّفة تستيفا معماريا، المختزلة لأصوات وأضداد، مهمشة، مهشمة، عطشى  تستسقي من إيحاء نوراني نسيجا يدنو من البساطة يمجد البساطة والحرف يتلون بتواشيح نتقاسمها لتحقيق التناغم والطموح والنور بكأس المحبة .
على سبيل الختم :
إنه إصرار على الكتابة ولو بالتمويه وعدم تحديد المخاطب احيانا، للفت الانتباه إلى التكرار في التعبير الشعري وبصيغة ايحائية وغرض إيصال رسالة ورسائل مشفرة وبت شكوى كما أسلفت سابقا، ومعرفة العديد من الحقائق الكامنة وراء النص، دليل على تبوئه مكانة متميزة رغم سلاسة مفرداته وسبكه وموسيقاه يبعث في الروح البهجة والسرور، وهو فرح رافقني وأنا أقرأ النص وأعيده بتناغم غنائي وتناصه مع مقدمة نصّ لمجموعة لمشاهب ونص آخر لمغنية شعبية، حفّزني إلى مغامرة وضعه في المشرح وقراءته.
"اليد التي لا تعبأ بالعلو تنسحب إلى الانخفاض"، يدٌ لا تتردد في جذب اللغة والتحكم في سلالتها الشفافة لا تنهكها سيوف ولا مطارق.
أشارككم، بحثا عن الأجمل والأكثر تعبيرا، عن صدق وتدفق المشاعر وحافزا للمزيد من القراءات الموسعة لتشمل نصوصا أخرى لأسماء واعدة .

هامش
قصيدة : خيالي خلاني،  للزجالة  سناء رضوان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزلزال، كتابة الفاجعة. ق ق ج

أجنحة التحليق الجمالي في " مسلف النسيان من خطواتي"الحميدة بلبالي