شهادة في حق القاص المغربي حميد ركاطة



 قبعة الساحر او محبة لا تبلى
عزالدين الماعزي
على هذه الارض ما يستحقّ الحياة،
يحتجزُ حميد ركاطه الابتسامة مفعما بالحيوية وبقبعة لا تخلو من دعاية (يهوى جمع القبعات)، القبعاتُ تلك التي تفوحُ بألوان قوس قزح، تهزّك بفتنة الروح، ويمسّ قنديلها منارة البحر واعلام البلدان والصباحات المعتّقة.
با حميد، كما يحلو لي أن أناديه قبل أن يكون أخي الذي لم تلده أمي، الطيّب الظريفُ الممتع بحكيه وذوقه، يخيط الارض طولا وعرضا، يفوقني محبّة بحجم العزف ويلصِقها بأذني شوف خاي العزّ، أنا متورط في حبك، في حرفك من زمان، أبدو خجولا غارقاً في البلل، اصدقائي يحتاجون أن أقدم لهم اجنحة الخدمة و طاولة للعزف ...
بأصابع سليمة الذوق والسلالم والكثير من الأشياء نتعلمها عن طريق الموسيقى، يعزف لنا حميد ما يحلو القلب ويجعلنا نجاهد سماعه من لحن وسمفونيات اللآلئ .
اسألوا حسن برطال، عن تلك الليلة التي لم نستطع فيها النوم بفندق نجوم القصة القصيرة جدا.
جميعاً، حول الطاولة متحلقين كملائكة نخبطُ بأصابع موزونة ولا ندري أنموتُ عشقا أم نخاتل لغةً لا نتقنها ولكنها تمتلكنا بشفرات معقدة ودموع فراشة وبقراءة تجارب قصصية متورطة .
محض صدفة لا تتكرّرُ، نرى أشياء ونبتعد عن السخافة نحوّل ذاكرة عصفورة الى معتقل بلحظة أفراح تحلم بالحياة وبألوان زاهية وأنماط مصاغة صياغة مدهشة قريبة من ماء الكتابة، الكتابة ورطةٌ، الكتابةُ لعنةٌ، كل من ابتلى بها اصبح هائما، لا يفهم لعنتها الا الملسوعون، تمحيصا لمقولة ابن عربي ( امحُ ما كتبت وانْسَ ما علمتَ وازهدْ فيما ملكت ) الكتابة بلسانه فكرٌ وابداع وجرأة وصنعة والحياة لغز كبير محيّر، بنبض دائم وجريان متواصل واجري عليّ نجري عليك .
اما الاحلام فنافذة صغيرة على حلكة الواقع المرير المظلم ..
الذين ينتبهون الى بطائق الهوية يحاولون أن يكونوا سذجا لأنها لم تأت من فراغ بل من أتون مدن وهوامش وخراب لزرع الفرح ونشر الامل بقصّة تحلو أن تكون مصغرة فتكبر أملا وقبس نور.
حميد ركاطة، وإن انتشى العمر بالخمسين فعكازه المسرح والطفولة والرواية والنقد المتابع والقصة ملاذه الاخير، لن يضيّع العمر في القبض على جمرة الشعر بل يكتفي بلعن الظلام اينما يوجد، على شاكلة من ينير وقيدةً ليشعل طريقا او دربا موغلا .
لأنه الفتى الخارق، يتشبّث بالأحلام، يرتب النوافذ والسلالم والأدراج، يقوّم ريشته ليقفز خارج المعنى ويكتب مذكراته مبكرا مذكرات أعمى، هل يشيخ قبل الوقت ؟
هل يفكر أن يكون اكثر موجة ببحر، ليقول ها انا بحر لا ينضبُ
جبلٌ لظلالِ معان في الطريق
قصيدة لا تهادن، جريء كنمر جسور
وحده السمك من يخاف شمّ الهواء.

لأنّ له ذاكرة الاسترجاع الطفولي بذهول وأناقة، الحكاية لديه طريقٌ للنبش في الكتابة و المرور بعيدا عن الاعطاب ورغبة في الازعاج يستفز القارئ، في رأسه حلم مميّز ورجع صدى ينتشي بلحظات السعادة وقلقٍ وجوديّ، إنه يرغمنا على الانصات لتفاصيل النصّ والقصّ مع جعل صوته مميزا بعيدا عن الاخرين ميزته أنه يشذّب الكلمات كالبستاني الماهر يحرّرها من جُهدها ولا يكررها لذلك لا تشيخ ابداً. بكامل زينتها تكبر تلك العصافير تطارد الحلم وضوضاء العالم يملأ يديه بالورد ويمشي في الطريق من هنا مرّ الشاعر، لطالما أغمض عينيه لرؤية معالم الطريق ونثر قفْشات على صفحات جدران اصدقائه بمحبة بلا ضفاف ووقّع بماء الورد دائرة الانتماء الى فصول السعادة متباهيا بمحبته وحكمة صمته.
وقد أعمته اللعبة بتحويل الحياة آلَة كتابة مذكرات اعمى حيث سطوة التخيل وتعدد الاصوات وتكسير حقبة السرد واجتراح التجريب والواقع سيان يسيران جنبا الى جنب لتحرّره تمهيدا لمعرفة سر حضور الذات في العالم .
له لمسة فنان ينصتُ الى تغريدة الاخرين، يحرّك يستفزّ مخيلة القارئ كي يدرك الممكن من الاشياء التي مرّت تحت الجسر
هنيئا لك صديقي بهذا الاحتفاء بثقافة الاعتراف في زمن اللاعتراف والانحباس الحراري والنكران
هنيئا لك مرة اخرى حين نحتفي بك نحتفي بأنفسنا ببوحنا ومحبتنا التي لا تبلى وبلا ضفاف
ننتشي بلحظات السعادة والقلق وكشف الجراح وتموجات الازرق المطرز ببياض الثلج، اتخيلك طائرا بجناحين يطلّ من أعلى جبل.
حلمك أن تكون مميزا، رأسك وجع صدى كتبٍ فتنَتك في الحلم ولا وقت لديك للمشيّ والعبور الا بالسرعة والجري ترغمنا على الانصات .
أكرّر دائما، أن بعض الوجوه لا تحتاج الى تجميل ومكياج ولا تحتاج الى قبعاتٍ، هي هكذا تقف دون حرج ضدّ نفسها ومع الاخرين تلعنُ الظلام والفساد وتتباهى بخدش الزجاج، تملك الجرأة والاستفزاز بأجنحةِ ملائكةٍ وبلسانٍ ملتهبٍ ( لا يضعُ لسانه في جيبه) يحلم أن يكون مميزا منتصرا للقيّم الكبرى، يضرم النار بقسوة معتادة .
اتساءل دائما : ما الذي يرغمُ الكاتب على المشي حافياً في طريق كله إبر؟

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزلزال، كتابة الفاجعة. ق ق ج

أجنحة التحليق الجمالي في " مسلف النسيان من خطواتي"الحميدة بلبالي