بلاغة الصمت، عزالدين الماعزي

 


هل رغبة الصمت فعل أم لغة أخرى..؟

عزالدين الماعزي

هل الصمت راحة أم فضيلة أم استراحة..؟ سؤال يطرحه القارئ مستحضرا صورا ومقاربات كثيرة تتحدث عن الصمت كفعل أو كطريقة ومنهج وسؤال شاسع.

 الصمت رغبة والصمت رحم الكلمات، الصمت يولد الحقيقة حسب سقراط، والكثير ما قيل في الصمت حتى أصبح الصمت لغة أخرى تنقال وتفضح الضجيج، وباب الصوفية في هذا الجانب حاضر بقوة وبكثافة.. فالصمت طريق ومسلك العبور والتبصر، إنها فاكهة  واشتهاء الكلام. 

هل نتكلم عن الصمت أم نتحدث عن محوه؟ أم نشتهي التعبير والتغيير، يقول النفري : " إن سكنت إلى العبارة نمت، وإن نمت مت فلا حياة ظفرت ولا عبارة حصلت " هل يحصل الصمت على المشاهدة أم على المتابعة..؟

تصمت وأنت تتابع ما يجري؛ الراهن بتفاصيله الصغيرة والكبيرة والآخرون يتكلمون في كل شيء وأنت صامت صمت زروبا الحكيم،  تتقن فن الصمت وهم يتقنون فن الكلام..

في هذه المرحلة نحتاج إلى من يستمع أو من يرهف السمع، إلى أذن ثالثة تنصت إلى ما يشبه التفاهة أو إلى التفاهة بعينها وهي تنشر أجنحتها وتفرخ العديد منهم، نترصد كعنكبوت فقط خيوطه الإفراط في الكلام وأشكال الثرثرة..

تصمت فجأة، تعود لنفس التيار محطما، معذبا،مهشماً تنظر إلى نفس التفاصيل وهي تتكرر وهم يقدمون النصائح ولا يطبقونها والبعض يعيد ارتكاب نفس الأخطاء التي تعيشها في فَلك (دوار) لا يتقدم قيد أنملة ويتأخر خطوات.. 

هل تحتاج إلى فعل التقويم..؟ هل نحتاج فقط إلى فعل كلام؟ هل تحتاج إلى نشر تفاهة لكي تسبح في ماء "الساقية" وأمكنة ك" الوديغة " و"ضاية بوسفيان"  و" رمل الماية " وحفرة سنونة..

في بلاغة الصمت، تحتاج إلى لغة الاشارة حيث يتجلى المحو والنسيان بمعية الوجد والانكشاف والعبور للضفة الأخرى حيث حديقة " الاسرار"، حيث الحيرة والتوتر وكشف اللغة التي تستدعي الذوق لرشف المعنى، فالقول ليس قول القول بل صمت الصمت وإشارة للتعبير عما يفهم لا يفهم.. ورصد المعرفة برصد المعنى.. يقول التوحيدي : "يا عبد لا تنطق، فمن وصل لا ينطق "

نحتاج إلى ذلك التغيير وهو رهين بتغييرنا؛ بتغيير عقلياتنا، أحلامنا، وأحلامنا تحتاج إلى تغيير فقط على أسس متينة وعلى بعد خطوات منها نؤسس المبتغى والمراد  وتطبيق الاستقلالية عوض الاستغلالية وتفريغ الكلام التافه، الرديء..

في الحاجة إلى الصمت هو في الحاجة أولى إلى كلام لكن بدرجة أقل، بحاجة إلى تنويع الخطاب وتأويله وتفسيره وتدريبه على فن الانصات وعلى "تقويسة " صناعة الحلم.

 في لقاءات عديدة انكتبتْ تلك اللغة دروسا ومحنا وتجارب عمّقت جراحنا واستفدنا منها..

هل ما زلنا في حاجة إلى الصمت أم إلى الكلام الان..؟

هل نخلصُ إلى الفعل أم نظل أسرى الصمت !؟

هل سيحضر الايقاع كلما هممنا بالسير خطوات بمعنى هل يحتاج سيرنا إلى كلام أم إلى صمت مطبق، مشرع لكل نوافذ الانصات والحيلولة دون البقاء في مكان نعبر منه إلى المنتهى والمبتغى، تحقيق الحلم . سؤال في العمق لم استطع الاجابة عليه رغم خلودي برهة إلى الصمت، فالكلام الحقيقي يحتاج إلى صمت والصمت الحقيقي يحتاج إلى كلام مختصر مقطّرٍ ومختزل، يحتاج إلى تأمل ودُربة وطريق،.. فأي طريق نختار..؟!



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزلزال، كتابة الفاجعة. ق ق ج

كرسيتينا، قصة قصيرة