النثرات؛ عين الدهشة التي لا تنام


 النثرات؛ عين الدهشة التي لا تنام





عن منشورات بيت الشعر، دجنبر 2023، صدرت للصديق المبدع سعيد السوقايلي  مجموعة شعرية / نثرية في طبعة أنيقة اختار لها عنوان :  النثرات وتليها نصوص، صورة الغلاف للفنان عادل أزماط في 74صفحة، يتضمن فهرس النثرات (النثرات من ص5إلى ص61 )تتضمن 327نثرة ونصوص بعناوين : (الباب، نافذة، المرآة، الكرسي1، الكرسي2، الشجرة) من ص64إلى ص70.

المبدع سعيد السوقايلي شاعر وقاص وناثر من الجيل التسعيني المغربي  الحالم بلغة وغد جديدين، صدرت له المؤلفات التالية:

- ورقة عصية (القصة القصيرة جدا) 2013

- نيرفانا (القصة القصيرة جدا) 2016

- قسمة ضيزى (القصة القصيرة جدا) 2019

- النهر لا يعيد نفسه (شعر) 2005

- مثل وقع قدميك (شعر)2012

- القطرة حَلَمَة الماء (شعر)2012

- لم تلدني أمي بجناحين (شعر) 2020

- النثرات (نثر) 2023، وهذه الأخيرة تجمع بين الحلم والحكمة والتحليق بأجنحة الخيال الذي ينتج الجمال المشُوب بروح التفكير العقلاني  والتأمل المتمنطق بشفرة السخرية...

إنه سعيد البهي، الجميل في سرده وشعره وانزياح كتاباته إلى الايحاء والتكثيف والاقتصاد في بساطة الجملة والتقاط الفكرة التي تولد الدهشة والصورة وعمق المعنى والتأويل..

(لكي تكون طفلا تحتاج فقط إلى لعبة تتحاور معها)  (نث3)، يعيدنا للتحاور مع منبع طفولتنا وأحلامنا الأولى بارتياح وجمال روحي وتذكر دون نسيان خطونا، أليست الكتابة لعبة تذكر؟

)  نحن عبيد الأحلام ونحن بالمقابل نصنع سلطة تعتقلنا بسبب حلم بسيط)(نث5)، تلك هي الأحلام المتأرجحة بين حرية التحقيق وسلطة الاعتقال.

و" لأنّ الكلام يخفي ما نريد قوله فعلا" كما تشيرُ إلى ذلك الفلسفة، فإشراك المتلقي ضروري بحثا عن روح المعنى أو روح النص أو التأويل، في قليل من القول، في عصر أضحى سريعا كقطعة سندويش. كل شيء أصبح مختزلا، مخزونًا في خرطوشة رصاص والكتابة أيضا أصبحت تتميز بالتجاوز وخلق الابتكار للتطور وركوب المغامرة، من الضروري أن يتطور ويتجاوز المبدع ذاته والآخر، أن يكون الكلام على قدر المعنى، لا يزيد ولا ينقص ولا إطالة ولا إطناب بل اختزالا وتكثيفا..

النثرات من نثر ينثر، تناثر، غبار متناثر في ومن كل صوب وجهة..

يسعى للتعبير عن حالة أو حالات اجتماعية  انسانية بأوجز كلام في سطر أو سطرين يختزل المسافات، رشق رصاص يصل الهدف في أقل من ثانية يتضمن عنصرا التقتير والتقطير. في عصر السرعة واختصار الزمن، في كبسولة شعارها التمرد والمغامرة والتعبير ورفض الانصياع أو الارتباط ومن ثمة "تتخذ مسارًا فاعلا بالثورة الرقمية". هذا الانزياح الشعري الذي ينحو الدلالة والتوليد يولد اللعب  (الشعر قيدٌ والنثر مفتاح) (نث197)ولأن الشاعر يعلم أن الكتابة لعبٌ ف(أن تكتب، عليك أن تمشي على حدّ السكاكين) (نث 143). ف( لعب الأطفال، درس ينساه الكبارُ كلما فكروا في تجميل العالم)(نث93). و(السمكة التي تقفز فوق الماء، تبحث عن أعماق أخرى)(نث87) والجميل أن (أسئلتنا تشيخ كلما ابتعدنا عن الطفولة) (نث81)، اللعب هو فنّ القفز وكتابة المراوغة هكذا تشخص أحلامنا طفولتنا وينتهي لعبنا وتشيخ أسئلتنا كلما ابتعدنا؛ هو لعب السخرية والتهكم في (النثرة104)، يكتب: (يبقى الخطأ صحيحا ما لم نُصوبْه) و( الشيء الوحيد الذي تهابه الحيوانات وتفرّ منه هو النار.  الإنسان يلعب بها)(نث 109).

في النثرات متعة تسبح بك جهة التفكير والتأمل وتحملك في دهشة الاشراقات والتجليات وسخرية مكثفة مقطرة (يغار الطاووس على الطاووس من الطاووس)(نث170).و(كل سيارات الشارع مُلكا له، لكنه للأسف لا يملك مفاتيحها) (نث165).

 هي نثراتٌ تستحضر وتستدمجُ كلّ عناصر الشعر والسرد والفلسفة  والتصوف والتأمل الحر.. كتابة مفتوحة وحُرّة ضمن الأدب الوجيز..)، يمكن أن تراه بوضوح وهو يرقص الكلمات بوجع لأن الكتابة لديه مخاض شاق، وتفجير طاقات النثر الجمالية برؤية عصرية (أثقل ما يحمله الإنسان هو أناه) (نث201)، فلا تصدق أبدا المدن والقرى التي تنزاح من الذاكرة وتبحث عن منبع الدهشة " الدهشة عين ثالثة" (نث 273).

كلّ ما يجعل القلب يخفق ويبتهج يبقى خالدا كانسياب الماء فوق الماء.

يكتب السي سعيد للخلاص من المحن التي تتراكم علينا (مواقف كثيرة في هذه الحياة، تحتاج معها إلى تقنية الVAR) (نث164) ولتشريح جزئيات ذاتنا وتحليلها وتفكيكها تفكيكا كيميائيا والتحديق الجمالي المباشر في الأشياء.( الظل صلاة الشجرة) (نث162)،و(متعة الجمال الصباح وجه النهار) ( نث159)، بطريقة وطبخة سعيد وأسلوب واحد ووحيد كحبات البرقوق تصل القلب تباعا للتذوق والإفادة. (  لكي تكون سعيدا، لا بد لك من جهل حادّ بالحقيقة)(نث17)

له قدرة على تخطي الصعاب وتفتيت الصخر ورسم معمار اللفظة الصالحة في اللحظة المقتضبة بنشوة، قلمٌ يصف اللحظة والرغبة المستعارة بيقينية كبرى مثل شغف الرمال بالبحر وسكون الليل بالموسيقى والغناء.

في روحه همس كما أصوات غيمة في قبضة ريشة فنان، ومن صرخته الأولى تتكون أسرار وملامح طفولة وأحلام، روحه الطيبة البهية تعصى على القبض كرغبة عين ثالثة لا تنام وهو يرسم خطو الانطلاق ودوائر الانفلات، يجازف بالمشي فوق حقول الألغام، يرسم بريشة الانعتاق نثرات البوح والحرية والانعتاق كما مُقل الطيور في محراب صلاتها وتأملاتها، لأنه شجرة تمنحك الظل؛ ظل الجمال وطيب الثمار، ثمة من يخبرنا أنّ: (المثقف الحقيقي ليس بكثرة اطلاعه، ولكن بمواقفه إزاء ما يقرأ)(نث 20).


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزلزال، كتابة الفاجعة. ق ق ج

أجنحة التحليق الجمالي في " مسلف النسيان من خطواتي"الحميدة بلبالي