ميلوود، قصة قصيرة

 


واميلود، اتا زيد…يا الله تحرّك.

بسترةٍ خضراء باهتة يشوبُها لونٌ أصفر على شكل قميص،  يشتغل ميلود يوميا في حراسة السيارات.

شابّ في الثلاثينيات أو أكثر هكذا يبدو،بوجه قمحيّ مدوّر وبعينين يشِعّ منهما الجمرُ، وسروال دجين وصندل جلدي مهترء. يلتفتُ لأي صرخة أو التفافة، تكفي نمنمة خفيفة كي يسرع الخطى إليك جادّا، ممتلئا  نشاطا وحيوية.

ظلّه كطوله يملأ المكان ، يصفر تصفيرةً  طويلةً  معلنا وقوفَ السيارة في المكان المخصص.

في المقابل على شطّ البحر، والبحر بمدينتي في الظهيرة ساخن رمادي والأجساد الملتهبة  تقِفُ أمام بائع العصائر. مجموعة من السياح يمرّون جماعات ملتفين حول بعضهم البعض، رجال ونساء عاريات الاذرع والافخاذ المكتنزة الشهيةِ ، تترك الكلّ يراقبهن و يتابعهن. أحدهم يشرحُ المكان ويجيب عن استفساراتهم.

ميلود، في الضفة الاخرى ينظر إلى السيارات التي تمرّ بمهلٍ أمامه ، وإلى السائحات المكتنزات، الوافدات الجميلات رفقة بضعة رجال، عيونهن الزرق وشعرهن الأصفر المنسدل..

ماذا لو استطاعتإحداهن أن تثير اهتمامه ويجلبها بغمزة أو نظرة تشفي أولتكن قاتلة . ليجربْ حظه إذن. وعينُه حولاء،ومن يقنعْ بهذا الاحول المريض، القزم، المكتنزحارس السيارات والعروبي الأجلف، …

ليحاول وبلاش وشوشة وشوشرة، ليجربْ وبسْ ،  كما يقول بعض الاخوة  الشرقيين.

إحداهن تدخنُ سيجارة صفراء وأخرى في حديث مع رجل طويل والثالثة تنتظر، وهذه الرابعةُ  تنظر بعيدا إلى البحر، آه ، لو تلتفت ، يهمس،سأحيطها  بعينَاي اللتان تحلقان وأجنحُ بها إلى الخلاء وأستكين بها تحت صدري ، وأهمس لها بحبّي وما يوجد تحتي من فواكه ومن خيرات، أيضا، إنهم  يأتون إلى المغرب السخون ، بحثاً عن ذلك البارود.. يضيف صامتا،  وما  وجودُهن جنب البحر إلا بحثا عن ذاك الشيء، العجيب الغريب ، يُردن دقّ الأوتاد والبحث عن العباد “وهااااه ، هذا م قال ولد عمي.. وغ نكذبوه…؟!” .

آه ، لو تلتفتُ هذ الرومية إليّ وتلتقي عيْنها الخضراء مع عيني هذه ، الله يعطيها الصحّة ،  ويحدث التماس  وتشوف خوك أش غ يعمل، هااآه…

وجْهها في اتجاهه ، إنها امرأة كبيرة  السن ذات تجاعيد ، وشعر أصفر ، مصفّف قصير ومقطع خفيف وذات ابتسامة على القدّ،آه ، لوْ …واش فيها ، ماشي ساهلْ  الفوزُ  بقلب سائحة ، كَاوريه.. باش نحققْ حلم الخروج برا البلاد ، اش غ نبقى ندير هنا ، نلقطْ الذبان ونحسبْ السيارات ، باش خدام ، جوج  فرانك  ف النهار  و بالوسيطة.

حتما سأخبرها و بماذا أخبرها ؟  سأخبرها عن عشقي لريال متريت ( ريال مدريد) وأني لم أعشق شيئا سوى  كَزون (عُشب) سان برنارديو ، آه، وسأخبرها أني سأسمي ابني منها، سان برنار ولن أكذب عليها، إن رائحتها تنعشني وتدفعني للأكل..آه الأكل ، تذكرت الجوع وما يأتي منه.. المسخوطه هنا ، في إشارة إلى شبح  يظهر من بعيد، اللّه يشتّت لها الشمل .

واميلووود.. تزيد ..هاك  تغذا…!

يلتفت مرغماً ، إنها زوجته تحمل له الأكل: سيري الله يتّبعك البلى ، المسخوطه، تحضري في اللّحظة غير المناسبة.

أتزيدْ اتغذى الراجلْ ! قبلْ م يبرد، تّاحل  فمك، ك شي هايشه ..!

فعلا ، كان فمه مفتوحا عن آخره ، على مؤخرات النصارى اللواتي  يمضين  أمامه  غير  عابئات بما  يجري  بين الإثنين  من حوار ولسان حاله  يكرر : الله  يجيبْ.. ، الصناره  مشات خاويه ، والله  يعميها  لي  شي  وحدين …

فوق العشب الاخضر المؤدي إلى الحديقة، جلس قربها ،  تحت  ظل نخلة  سامقة،  تأملها  وتأمل حاله  سيظل صابرا  ولا  يعرف  لميسميه  أبوه  صابر؟  بدل  هذ الاسم  ميلود، وتذكر أنه من الممكن، أن يكون اسم جدّه  ميلو مثلا،  على  غرار  أسماء  الفرنسيس  أو  الاسبانيول  ومن يعرف ؟ لكنهم  أضافوا  له حرف الدال ، والحرف له دلاله ومغزى ومن يدري ؟ نكَولو  و نكَولو ، ويقولون ويقولون ونقول، وفي القول أشياءٌ  و أشياء و هل نكذب ..؟  أصلا، المكان يحتاج إلى نقاش  والجسد أيضا ..

تابع النظر،  فيما يوجد وما لا يوجد، في المتخيل ، في واقعه . نسي نفسه وبردَ الاكلُ ،  وترك الكلام على عانته ، لزوجته. ولتوهماته.. وانتظاراته التي لا تكتمل، لا يعرف ما يقول وما يفعل.. لتلك الرائحة ولسواعد المنبوذين في الأسفل.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الزلزال، كتابة الفاجعة. ق ق ج

سبع مقاطع خرقا القاعدة.. ق ق ج